زمن الخيول البيضاء / إبراهيم نصرالله


6219415

 

الكتاب: زمن الخيول البيضاء
الكاتِب: إبراهيم نصرالله
عدد الصفحات: 511 صفحة
التقيّيم: 4.43 / 5
الفكرة والآراء: GoodReads

 

 

(أنا لا أقاتل كيّ أنتصر، بل كيّ لا يضيع حقي)

*بطل الرواية، خالد.

 

رواية ملحميّة، استثنائية يُتوّج بها الشاعر والروائي إبراهيم نصرالله مشروعه الروائي الكبير “الملهاة الفلسطينية” الذي بدأ العمل عليه منذ عام 1985 من الميلاد والَّذي صدر منه ست روايات لكل رواية أجواؤها الخاصة بها وشخوصها وبناؤها الفني واستقلالها عن الروايات الأخرى.

يتأمل نصرالله في هذا المشروع 125 عامًا من تاريخ الشعب الفلسطيني برؤية نقدية عميقة ومستويات فنية راقية، انطلاقًا من تلك الحقيقة الراسخة التي عمل عليها دائمًا والتي تقول بأن إيماننا بالقضايا الكبيرة يحتم علينا إيجاد مستويات فنية عالية للتعبير عنها.

 

هكذا تُختم الرواية في نهايتها، بتلك الأسطر. وحين أتساءَل الآن عن الخمس وعشرين عامٍ بعد المائة التي تحدث عنها إبراهيم نصرالله في الرواية، لا أجد أن هذه الرواية كانت في مقامٍ يتحدث عن كل هذه السنين.

حين يقرأ القارئ الرواية، والتي كانت مقسمة على ثلاث فصول تحت عنوان: الريح، التراب، والبشر؛ لا يجدُ فيها ترابطًا يبقي فيه ذهنهِ أنه ثمّة حديثٌ متصلٌ عن كل هذه الأعوام. وبأنه ثمّة قصة واحدة استمرتْ طوال تلك الأعوام.

فصل الريح، والذي كان يتحدث عن جيل الحاج محمود. وأبنائِه، كيّ يمهد الكاتب للقارئ شخصية البطل خالد، والذي تتركز عليه الرواية في الفصلان التابعان. لا يجد القارئ في هذا الفصل أيّة اتصالٍ بينه وبين الفصلان الآخران أبدًا. وكأن فصل الريح رواية قائمة بحد ذاتها. والتي لم تكن تتحدث سوى عن يوميات حياةٍ تجري في قرية من قرى أرضٍ على وجه الكرة الأرضية.

يأتي فصل التراب من بعدها، والّذي يبدأ فيه الكاتب كل شيء كان يبغه من انشاء هذا العمل. والّذي لم يكن متصلًا بشكل أو بآخر بالفصل السابق كما ذكرتُ آنفًا. إذ أن القارئ يجد نقلةً مضطربة بين الفصلين. فلا يعود يربط بينهما حين يقرأ ويشعر بارتباك الصلة بينهما.

غير أن فصل البشر، الّذي كان بمثابة قنبلة انفجرت في الرواية حيث أثارت ضجيجًا وصخبًا كبيرًا مزعزعة من ثبات الرواية واتصالها الذي لم يكن جيّدة في المقام الأول، أكثر وأكثر. فالكاتب في هذا الفصل كان يحاول أن يبين للقارئ عن كيفيّة اغتصاب اليهود لفلسطين، والذي كان ممهدًا في الفصل السابق. فجاء في هذا الفصل كقنبلة مما أبدى على الرواية وكأنها خرجت عن مسارها على نحو سيء مضطرب. متناسيًا في الطريق الذي كان يسير فيه ليصل مبتغاه، خطواتٍ عدّة أربكت القارئ في الربط بين الأحداث وفصول الرواية.

يضيع القارئ في الربط بين فصل وآخر بشكل عام. علاوة على هذا، إن الفصول بحد ذاتها لم تكن من ذات المستوى الأدبي والكتابي لتحافظ على ما تبقى فيما بينها من اتصال. وهذا ما زاد الأمر سوء فوق سوء.

كمدخل للرواية يجد القارئ في الفصل الأول، سهولة الألفاظ ويسر القراءة فيها. إلا أن الجمل والترابط كان مزعزعة على نحو مضطرب. كما وأن التسلسل في الأحداث في هذا الفصل شبه مرنة، ولربما نقول عنها رائعة. مما يُضفي على الفصل بحد ذاته اضطرابًا في التناغم بين أوله وآخره. فمقدمته أقل بكثير من نهايته في المستوى الأدبي والكتابي. وكفصل هو أقل في المستوى من فصل التراب. بيّد أن فصل البشر كان الأسوأ من بين الفصول الثلاث، من الناحية الأدبية والكتابية. ففي الفصل الأخير، يتجلى للقارئ الكم الهائل الّذي بذله الكاتب من جهدٍ في محاولته لكبت ما في نفسه من ثورة والتي بدورها كانت سبب كتابة هذه الرواية، وقد انفجرت على نحو مربكٍ، مفاجئ في الفصل الأخير. مما أضفت عليه عدم تناسق وتناغم. كأن الماء انسكب من الكأس المنكسر لتعرضهِ لضغط هائل من اليد التي تحمله في محاولة من صاحبه كبت ثورةٍ ما في داخله.

أما في فصل البشر، تكون الرواية وصلت بالقارئ إلى حدّ من الاضطراب الذي لا يعود القارئ فيها على التركيز في القراءة. وكأن صاحب اليد في محاولة أخيرة لشرب الماء المنسكب بعد انكسار الكأس وتناثر الماء من حوله.

على أيّة حال، هذا ما يظهر للقارئ من المجمل في الرواية؛ من الناحيّة الأدبية، والأسلوب الكتابيّ فيها. فالاضطراب وعد التناغم وانعدام الاتزان كانت سمة عامة على الرواية. من مجملها، إلى تفصيلها.

 

أكثر ما يسيء لهذه الرواية، المبالغات في الوصف. وعدم تمكن الكاتب من وصف الشيء من غير مبالغة غير منطقية. فكثيرٌ ما يجد القارئ عبارات مكررة في الرواية حدّ الفيضان الزائد. مما يبدي الكاتب أمام قارئهِ ككاتب مبتدئ لا يتمكن من وصف الشيء بطريقتين مختلفتين من غير تكرار العبارة والجملة ذاتها.

كثيرٌ ما تكررت في الرواية عباراتٌ مثل: لم يروا مثله من قبل، لم تقع عيناه على مثله من قبل، إلى حد أن، إلى درجة أن … وهو نوع من الوصف البدائي البسيط جدًا. وهذا لا يعني أن الرواية كانت سيئة بسبب ذلك وحسب، أبدًا. فإن الكاتب في حقيقة الأمر، قد تمكن من استعمال هذه العبارات في الوصف في مواضع تجعل من الأسلوب الكتابي جيّدًا لحدٍّ ما، وفي مواضع أخرى، كثيرة للغاية، تجعل الأسلوب الكتابي في مستوى بدائي جدًا. وحين أقول جدًا، فأنا أعني أنه فعلًا كانت في مستوى لا يمكن للقارئ المتمكن من تحمل تكرارها عند القراءة. على أقل تقدير، تكرار الشيء على أنماط مختلفة تقلل من كمية الضجر التي تسببه، وتظهرهُ على نحو لا يبدو وكأن شيئًا واحدًا يحدث. وهذا ما لم يتمكن منه الكاتب في أي نمط يستعمله. فكان في كل الرواية ذات الخمسمائة صفحة، تصوروا، وصف كل شيء في نمط واحد، ويستعمل ذات النمط في التشبيه أيضًا. وتخيّل الكم الهائل من الضجر الذي سينتابك وأنت تكرر الشيء ذاته بالنمط ذاته وقتًا تستغرق فيه قراءة خمسمائة صفحة. والأدهى من هذا، أنّ الأمر لم يقتصر على العبارات والجمل في الوصف والتشبيه، فكان التكرار أيضًا في ذكر الأفعال والأحداث بذات النمط أيضًا. فكم من مرّة ذكر فيها الكتاب اعتصار خالد جبينه بيده اليسرى، وكسر الصحون في حال رغبة أحدهم بالزواج، وتقبيل أحدهم للفرس على ذات النمط والهيئة … بحيث يشعر القارئ وكأن المشهد يتكرر مئاتٍ من المرّات في ذات الحكاية في مواضع مختلفة في الهيئة ذاتها أيضًا.

لم يكن الكاتب في أيّ مستوى يذكر من التنويع. لا من الناحيّة الكتابية، ولا من الناحيّة البلاغية، ولا في الأسلوب ولا الوصف ولا الرواية أيضًا. فنمط الرواية بحد ذاتها غير متناغمة وغير متصلة فيما بينها. ولا أنسى أن أنوه بأن الكاتب لم يفلح قط في أسلوب القيل والقال المستخدم في الرواية، والتي كانت ترمي بالقارئ من مركب القراءة في كل مداخلة في القول. فيضيع فيها القارئ عند القراءة متعجبًا متسائلًا من المتحدِث ومن المتحدَث عنه.

 

في كل الأحوال، لم تكن الرواية في موضعٍ تضيف للقارئ عن النكبة شيء. فحين حاول الكاتب كتابة الحياة قبل النكبة، وعند النكبة وأثنائِها، لم يفلح في ذلك قط. وإنَّما جاءت الرواية على هيئة كتابٍ من ثلاث كتب لا صلة بينها، جُمعتُ بين غلاف كتابٍ واحد. ولا تضيف للقارئ من الحقائق التاريخية بالعمق الّذي ذكرها الكاتب في بداية الكتاب، وهذا كفيل بأن يسبب للقارئ خيبة أمل كبيرة. وللغاية. فقراءة رواية كهذه، ليست إلا أشبه بقراءة رواية خيالية، بحتة. بالرغم من أن الكاتب استند في كتابة الرواية على مذكراتٍ كثيرة كما ذكر. إلّا أن شيئًا من كل هذا لم يظهر في الرواية مطلقًا. فكل ما في الرواية، كان أشبه بقصة خيالية مختلقة لغاية واقعية. وفوق أن الخيال هو السمة العامة للرواية، كانت فيها من الزوائد الكثير كالشلال المنساب، الذي لم يكن له أيُ داع من ذكره أو اضافته. مما أضاف على الرواية فراغًا كبيرًا هائلًا.

إن الغرور الّذي جاء به الكاتب إبراهيم نصرالله، يتحدثُ به عن كتابه وروايتهِ، كان له الدور الأول والأخير، في ألّا تصل الرواية لمستوىً يستحق التقدير، وكذلك النقد.

إضافة إلى كل هذا. أفكر الآن بالتقيّيم الحقيقيّ الذي تستحقه الرواية من خمسِ نجمات. ولا أجدُ بأنها تستحق أكثر من نجمتان. كيف لا ولم يكن ثمّة فيها دهشة تاريخية، كما أبدتْ بأن تكون عليه، ولا روائيّة حتى. وأتساءل ما الّذي وجدهُ القرّاء في الرواية ولم أجدهُ كيّ تنال تقيّيمًا أعلى من نجمتان؟ بالرغم من أنّي أراهن على أن قارئ في المستوى المتوسط من القراءة، سوف لن يجد في هذه الرواية أيّ شيءٍ يدعو للتباهي بها، واستحسان قراءتِها.

على أيه حال، أحقًا بعد قراءة هذه الرواية أيها القرّاء، وصلتم بقراءَتها لنهاية الطريق بعد قطف كل الزهور من على جانبيّ الطريق؟ أم بعد الدَوس على كل الزهور في جانبيّ الطريق وصلتم لنهاية الطريق؟ ترى ما الأهمّ؟ وصول نهاية الطريق بلا اكتراثٍ للأزهار، أم بلوغ نهايته والأزهار ممتلئة باليديّن؟

 

إقتِباسَات: 

أنا لا أقاتل كي أنتصر، بل كيّ لا يضيع حقي.

كانوا أمام الموت، دائمًا، أكثر اتزانًا، لأن للموت رهبته.

الموت هو العتمة وفي العتمة يعيش.

كان لا بدَّ أن تعيش في العتمة طويلًا حتى يفاجئك النور.

ما دام الإنسان قد قرّر أن يُعطي. فليُعطِ أفضل ما لديهِ.

المرء لا يستطيع أن يفقد شيئًا هو في الأصل لغيره. وإلا يعذب نفسه مرتين. مرّة بجهله ومرّة بفقدان ما ليس له.

ليس هناك أكثر حزنًا من أن يصدأ الرجل وهو في ريعان شبابه.

كل ما يفعله الانتظار هو مراكمة الصدأ فوق أجسادنا وأرواحنا.

– الزمن سيمحو كل شيء.
– الزمن يمحو يا أبي، ولكن ليس كل شيء.

لم يخلق الله وحشًا أسوأ من الإنسان، ولم يخلق الإنسان وحشًا أسوأ من الحرب.

تذكروا، لا يمكن لأحد أن ينتصر إلى الأبد، لم يحدث أبدًا أن ظلت أمة منتصرة إلى الأبد.

أضف تعليق