القراءة، والمُقدِمات.


إنّ قراءة كتابٍ واحدٍ سيءٍ لا يُناسبك كفيلٌ بأن يقتُل شغف القراءة لدَيك لفتراتٍ طويلة مُهلكة. وأسوء شيءٍ في قراءة الكتب، المقدمات التي تكون على يد غير يد كاتب الكتاب المقروء. مقدمة المترجم، مقدمة الناشر، مقدمة الموزع أو مقدم الكتاب، مقدمة المُراجِع… تلك المقدمات العنيفة، الساذجة في مكان تقعُد فيه من الكتاب، والتي تجبر القارئ على التطبّع بانطباع غيره عن الكتاب؛ تُفسد متعة القارئ في قراءة الكتاب وشغفهِ. وكأن شخصًا يفرض عليه رأيه قسرًا مستغلًا دورهُ كقارئ، من غير أن يتيح له فرصة التلذّذ بالكتاب دون أن يفسد عليه بمقدمتهِ والتي لربما لا طائل منها في بعض الأحيان.

إنّي أقدر كل مجهود يدخل في إنشاء الكتب وانتاجها غير جهد الكاتب، وأتفهم كل هذا. بيّد أنّي لا أرى كل هذا المجهود سوى سبيلًا لاستغلال القارئ ودورهِ في القراءة في مواضعَ كثيرة.

ما المشكلة لو أن المقدمات هذه كانت مؤخرات في آخر الكتاب تتخذ لها منه مقعدًا. من غير أن تسيء للقارئ ودون أن تفسد عليه شغف القراءة ولا متعتها حين يشرعُ في القراءة؟

إنّ مقدمة واحدة، ولأقُل خمسُ أسطر من المقدمة التي تعتلي أول الكتاب كفيلة بأن توصل القارئ حدًّا يرمي به الكتاب وينحه من قائمة قراءاته. حينها، ما فائدة كل الجهد المبذول في ولادة الكتاب وافطامه على أكمل وجهٍ كيّ يتسنى للقارئ اقتناءه بكل شغف وحب؟ بينما لا يكون من القارئ سوى أن يُنحي الكتاب جانبًا بعيدًا ولربما إلى الأبد، فقط بعد خيبة الأمل الكبيرة التي تصيبه بأبشع وأوجع صورة، لمجرد قراءة بضعة أسطر من مقدمة اعتلت الكتاب كانت مسكوبة من غير قلم الكاتب.

قلم الكاتب وفكره وكلّ ما كان منه في كتاب؛ هذا الذي يعدو إليه القارئ كي يقتنيه ويلتقي بكاتبه في حروفه، وإذا بدورية تعرضُ طريقهُ بمقدمة تفرض عليه رأيها وإلّا سوف لن يتسنى له لقاء كاتبه ومتابعة الطريق إليه.

ما هذا؟ وبأيّ حق تفرض رأيك على القارئ مستغلًا دوره في الحياة وفقط كيّ تبدي له الفخر العظيم الذّي أنت فيه يا صاحب المقدمة إزاء ما بلغته وعلمته من الكاتب قبل القارئ؟ حسنًا، هذا فخر وبطولة، ولا أنكر ذلك، لكن ما شأن القارئ بكل هذا؟ لِم تفسد عليه المتعة وتُطبعُه بانطباعك عن الكتاب وفوق كل هذا قسرًا!

بإمكانك الفخر، وبإمكانك الاستعراض بطيب وطرب. لكن هلّا أجّلت كل هذا إلى ما بعد القراءة؟ هلّا أخبرتنا عن رأيك وفخركَ في آخر الكتاب، لا تفسد علينا متعة القراءة نحن القرّاء. أذيّل الكتاب بمؤخرة منك تتضمن كلّ ما ترغب قوله في آخر الكتاب دون أن تسبب أيّ ضررٍ للقارئ كما أنت تفعل الآن يا صاحب المقدمة.

أضف تعليق