الربيع، وموسمُ البَعوض!


 

إني أتعجبُ من الكائنات الصغيرات -الحشرات- التي تُهاجم الإنسان وتعتدي عليه دونما أيّ اعتبار؟ ترى بأيّ حق؟ دون أن تبالي حتى وتخشى فارق الحجم بينها وبينهُ وكأن من تعتدُون عليه من أحقر العبيد وأقلهم قيمة لديهِا!
بكل أنانية، تشعُر بالجوع، تخرج من منزلها، تبحث عن كائنٍ بشريّ، ومن غير أيّ تردد تعتدي عليه. وماذا بعد أيضًا؟ للتسلية وحسب! إذ أنها بين الفينة والأخرى دون أيّ اعتبار لهذا الكائن البشري الماثِل أمامها، تهجمُ عليه تدربُ صغارها، ومراتٍ لتتسلى!
يمكنني تفهم كل هذا، كما ويمكنني حتى تجاهل الأمر إن استدعى ذلك. إلا أنّي أتعجب حقًا من بني جنسنا البشريّ، أولئك الذين يرهف قلوبهم لهذه الكائنات الصغير ما إن بلغها من طرفنا أيّ ضرر. وكأننا من اعتدى عليهِم ظلمًا وعدوانًا.
أين أضع نفسي من كل هذا؟ أأترفق في الكائنات الصغيرة ولا أكترثُ لاعتدائِهم ولا حتى لمجاهَرتِهم واستمتاعهم بالاعتداء عليّ ومن الأفضل ليّ ألا أُظهر قوتي في الأضعف مني وكأن الأمر لم يكن يمسُ في حقي شيئًا؟ وأقف في صف المناصرين لهم والمدافعين عن حقوقهم مهما اقترفوا من ظلمٍ تجاهِيّ فهذا لا يُوصل بالأمر حدّ قتلهِم وسفكِ دمائِهم؟ فبالنتيجة، أنا أكبر حجمًا منهم وأعقل؛ أليس كذلك؟! أم أثور وأسفكُ دمائهم بلا ترددٍ وهوادة؟ من يكونون؟

تأخرت البلدية، ولربما نسِيت سهوًا، بأن ترشَ المبيدات الحشريّة في المنقطة السكنية التي نقطنُ فيها. مما تسبب باجتياح منازلنا من قبل هذه الكائناتِ الصغيرة بحشدٍ كبير.
قعدتُ، ورحتُ أتفكر بينما أحدٌ من هذه الكائنات الصغيرة، تمتصُ وتشربُ غَرفًا من دمي ودون علميّ أثناء ما ذلك -إذ أنّي اكتشفتُ الدم المسروق مني بعد انتهاء عملية السرقة-؛ كيف كانت هذه الكائنات الصغيرة التي تتغذى ولربما تتسلى، قبل وجود الكائن البشريّ؟ من أين كانت تعيش؟ بمعنى، هل كانت هذه الكائنات قبل أن نكون في الأرض نحن الجنس البشريّ متواجدين، تتغذى على كائناتٍ أخرى؟ وتتسلى فيما بينهم على ظهر وجلود كائناتٍ أخرى؟ أم أنها بطبيعة الحال كانت على علمٍ مسبق بأنّنا نحن الجنس البشريّ سنظهر على وجه الكرة الأرضيّة، وتَحرت ذلك لتغرِف من دمائِنا ما يطيب ويحلو لها؟ أليس الجنس البشري آخر الكائنات التي ظهرت على وجه الكرة الأرضيَّة؟ حسنًا إذن، كيف اتجهتْ الكائنات الصغيرة إلينا وآلت إلى اشباع جوعهَا من دمائنا؟ أكان جوعًا أم للتسلية، لا يهمّ، ما يهمني الآن، كيف آلت الأمور إلى ما هي عليه؟
بمجرد أن أهملتْ البلدية لديّنا جدولها في رش المبيد الحشريّ، تهافتت علينا الكثير من الكائنات الصغيرة، والتي كان من الممكن ألا أكتشف وجود أنواعٍ كتلك التي ظهرت أماميّ آنذاك، لولا اهمال البلدية أو نسيان رش المبيد سهوًا. والتي أيضًا ما كنا نستطيع القيام بأيّ عملٍ وقتذاك، وإن كان انتظارًا على النحو السليم بسبب هجماتها ومحاولات الفتكِ بنا من قبلها، هذه الكائنات الصغيرة والتي تتصدر في قائمتها، البعوضة، المزعجة.
رحتُ أمضي في تفكيريّ غوصًا، ترى ما الّذي يشكِلهُ الدم البشري لدى هذه الكائنات الصغيرة بمختلف أنواعها دون سواه من دماء الكائنات الحيَّة؟ وإذا بي أتذكر ما قد سبق وشاهدتُه من احدى القنوات التثقيفيّة ذات مرة، بأن البعوض لا يتغذى على دم الكائن البشري وحسب دون سواه من الكائنات الحيّة.
حسنًا، لم يعُد التفكير يجدي. قمتُ من مقعدي، ورحتُ أسهبُ في البحث في الأمر علّني أجدُ حلًا لتجنبِ كل هذا الهجوم والاعتداء على جسدي دونما أيْ اعتبار لمقامي. تصوّروا ما الّذي وجدتُه؟ إليكُم الأمر.
إن البعوض لا يمتصُ دمائَنا نحن الجنس البشريّ للتغذية، ولا للتسلية أيضًا. إذ أن فرضية التسلية كانت من طرفي على أية حال. إنّما، هذا الكائن يحتاج لبعضٍ من المواد، كالبروتين خاصّة والقليل من الحديد، وغيرها من المواد، الّذي يسهُل ايجادُه في الدم البشري، والحيواني، وكل الثَدييّات، لدى البعوض. ولهذا، فإنهُ يقوم بامتصاص ما يحتاج إليه من الدم من كل الثّدييّات التي يهاجم ويعتدي عليها. بيّد أن هذا لا ينطبق على كلّا الجنسين من البعوض، الذكر والأنثى. فالّذي يهجم ويعتدي علينا وغيرنَا من الثّدييّات، هي أنثى البعوض، المزعجة. لحاجتها لهذه المواد في تكوين بويضة جيدة، وسليمة وصالحة لأن تكون بعوضة جديدة في الجيل القادم، الجديد أو بعوض!.
على أية حال، وكما تعلمون جميعًا، فإن البعوضة –بما أن الأنثى من تهاجم، وَجَبَ التأنيث- تُفضل أشخاصًا بعينهِم على آخرين. وتتصيّد فريستها باتزانٍ ورُوِية لا بعشوائيَّة. وبعيدًا عن العلم في هذا المجال، إليكم نصيحة قد تفدكُم، تتجنبون بها هجمات البعوضة والكائنات الصغيرة التي تمتص من دمكم على حدّ سواء. حاولوا أن تجعلوا جِلدكم بالنسبة لهذه الكائنات مُنزلقًا، وكأنه مغطى بطبقٍ من الجليد، كيّ لا يتمكنوا من التشبثِ به. إذ أنه كلّما حاولوا ذلك، ينزلقون، ويكونون كمن هو بحاحة إلى ألواح التزلج كيّ يعبر الطريق المغطى بطبقة من الجليد. وكيف تفعلون ذلك؟ الأمر في غاية البساطة، غطوا أنفسكم بالكريم، وخاصّة كريم “الفازلين” المنزلق بالنسبة لهم. واستمتعوا.

مفاد الحديث، من اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدى عليكم، ولا ذنب لي فيما يبلغهم من قتل إزاء ما يقترفونُه هذه الكائِنات الصغيرة، من اعتداء وظلم بجهَارة. العين بالعين، والسن بالسن. والبادي أظلم. أليس كذلك!

يومكُم بهي، غنيّ بلا حرب ولا معارك طاحنة.
طبتُم، وطابتْ أيامكُم.

أضف تعليق